فصل: مسألة من أوصى بوصية لرجل أو بعتق أو كتابة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة كاتب عبدا له واشترط عليه خدمة ثم جاء العبد بكتابته كلها:

وسئل وأنا أسمع عمن كاتب عبدا له واشترط عليه خدمة أو سفرا أو ضحية ثم جاء العبد بكتابته كلها فقال: يوضع عنه كل ما كان من شرط في حسر العبد من خدمة أو سفر أو غير ذلك وكل ما كان مثل الرقيق والكسوة والضحية فإنه يقوم ذلك عليه فيغرم قيمته مع كتابته.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه إذا كاتبه واشترط عليه خدمة أو سفرا في كتابته مثل أن يكاتبه بكتابة منجمة أو غير منجمة إلى خمسة أعوام أو ستة ويشترط عليه خدمة أيام من كل جمعة وضحية وكسوة كل سنة إنه إن عجل الكتابة سقط عنه كل ما كان في بدنه من خدمة وسفر إذ لا تتم عتاقة أحد وعليه بقية من رق، ولم يسقط عنه ما كان في ماله من ضحية وكسوة، فلا يعتق حتى يؤدي قيمة ذلك حالا في كتابته، وأصل ذلك أن ما كان يسقط عنه بالمرض يسقط عنه بتعجيل الأداء وهو ما كان في يديه، وما لا يسقط عنه بالمرض لا يسقط عنه بتعجيل الأداء.
وكذلك لو اشترط عليه خدمة أو سفرا بعد أداء كتابته أو ضحية في كل سنة طول حياته لسقطت عنه الخدمة والسفر بأداء الكتابة ولم تسقط عنه الضحية التي شرط عليه في كل سنة طول حياته وكان الحكم في ذلك أن يعمر ثم ينظر إلى قيمة عدد الضحايا في تعميره، فيقال له: أد قيمتها الساعة وأنت حر، وإن لم يكن له مال لم يعتق حتى يؤدي قيمتها ساعتئذ وليس إلى أجلها، قال ذلك ابن القاسم في كتاب ابن حبيب، ورواه عن مالك.
وإنما تسقط عنه الخدمة بأداء الكتابة إذا كانت الخدمة مشترطة في الكتابة وكان إنما يعتق بأداء الكتابة، مثال ذلك أن يقول له كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا وكذا وأنت حر على أن تخدمني في كل شهر كذا وكذا وما أشبه ذلك، وأما إن كانت الكتابة مشترطة في الخدمة وكان إنما يعتق بتمام الخدمة فلا تسقط عنه الخدمة بأداء الكتابة، مثال ذلك: أن يقول له: أكاتبك على أن تخدمني كذا وكذا ثم أنت حر على أن تؤدي إلي فيها كذا وكذا، فهذا إن أدى المال قبل تمام أمد الخدمة لم يعتق إلا بانقضاء أمد الخدمة، وإن انقضى أمد الخدمة قبل أن تؤدي المال أعتق في أمد الخدمة وكان ما بقي من المال المشترط عليه بعد انقضاء أمد الخدمة دينا عليه يؤديه وهو حر، إذ قد بتلت حريته بانقضاء أمد الخدمة، هذا معنى ما حكاه ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ فيما سأله عنه من تفسير قول مالك، وبالله التوفيق.

.مسألة الكتابة على إحياء عدد من الغرس:

وسمعته يقول «كاتب سلمان الفارسي أهله على مائة ودية يحييها لهم فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا غرستها فأذني، فلما غرسها أذن رسول الله فدعا له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها فلم تمت منها ودية واحدة».
قال محمد بن رشد: في هذا الحديث إجازة الكتابة على هذا النحو من الغرر في حق المكاتب؛ لأنه لا يدري إذا اغترس من النخل هل يحيى أم لا؟ ففيه حجة على ما أجازوه من الكتابة على عبد فلان وهولا يدري هل يقدر على أن يتخلصه من صاحبه أم لا من أجل أنه عبده يجوز له فيما بينه وبينه عن الغرر ما لا يجوز له فيما بينه وبين غيره، والكتابة على هذا من ناحية الجعل الذي أجازه أهل العلم لما شهد بجوازه من صحيح الآثار مع ما دل عليه من حكم القرآن في قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فالكتابة على إحياء عدد من الغرس أو على عبد فلان يشبه قول الرجل لعبده إن جئتني بعبدي الآبق أو بجملي الشارد فأنت حر فالقياس على هذا إن لم يقدر على إحياء الغرس أو تخلص العبد إلى الأجل الذي يضرب له في ذلك أن يرجع في الرق، وقد قال سحنون: إنه إن لم يقدر عليه كانت عليه قيمته، وقاله أيضا محمد بن المواز، وليس ذلك على الأصول، وبالله التوفيق.

.مسألة المكاتب ليس له أن ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده:

قال وسمعته يقول: أتى إلى سعيد بن المسيب مكاتب له، فقال له إيذن لي أن أخرج إلى مكان كذا وكذا، فقال له سعيد: لا فانصرف عنه المكاتب فأصلح شأنه وأراد الخروج فأتي إلى سعيد بن المسبب فقيل له إن مكاتبك يخرج، فقال: موعده يوم القيامة، فقال مالك: يوقن بيوم الحساب ويعلم أن الناس سيوفون حقوقهم.
قال محمد بن رشد: هذا من قول سعيد بن المسبب مذهب مالك، ونصه في موطأه وفي المدونة وغيرها أن المكاتب ليس له أن ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده، اشترط ذلك عليه أو لم يشترطه إذ قد يجحف النكاح بماله فيعجز فيرجع رقيقا إلى سيده لا مال له، وقد تحل نجومه وهو غائب عن سيده فليس على ذلك كاتبه، وبالله التوفيق.

.مسألة من اشترى كتابة مكاتب أو وهبت له أو أوصي له بها:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: سئل ابن القاسم عمن كاتب عبده فأوصى لرجل عند موته بربعه، وأعتق ربعه ثم هلك العبد بعد ذلك وترك مالا أو عجز.
قال: إن عجز فللذي أوصى له بربعه ربع الخدمة وهو ربع الرقبة، وللورثة نصفها وربع العبد حر.
فإن مات وترك مالا استوفى الذي أوصى له بالكتابة وللورثة ما بقي لهم عليه من الكتابة وهي ثلاثة أرباع الكتابة للذي أوصى له بربع الكتابة ربع الكتابة، وللورثة الربعان، فإن فضل فضلة كان للموصى له بالربع الثلث وللورثة الثلثان لأنه إنما ورث بالرق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن من اشترى كتابة مكاتب أو وهبت له أو أوصي له بها يحل محل السيد في أن له رقبته إن عجز وميراثه إن مات، وكذلك فيما اشترى منها له إن اشترى البعض منها أو وهب له أو أوصي له به لأن معنى قوله: أو أوصي له بربعه أو أوصي له بربع كتابته؛ لأن الكتابة هي التي يملك منه، وأما إذا أعتق السيد بعض مكاتبه أو حظه منه إن كان له فيه شريك أو وضع له بعض ما له عليه من الكتابة أو حظه منها إن كان له فيه شريك فذلك بخلاف إذا أوصى بذلك هو في الحياة وضع لا عتق وفي الوصية بعد الموت عتق من الثلث، هذا قوله في المدونة وغيرها، فوجب إذا أوصى رجل عند موته لرجل بربع كتابة مكاتبه وأعتق ربعه ثم مات أن يعتق منه الربع في ثلثه وأن يحل الموصى له بربعه محل الموصي، فيكون شريكا للورثة في رقبته إن عجز بالربع وللورثة الربعان، ويكون ربع العبد حرا.
وإن مات وترك مالا استوفى الذي أوصي له بالكتابة والورثة ما بقي لهم عليه من الكتابة، وهي ثلاثة أرباعها إذ قد أعتق الربع منه بالوصية ثم كل ما بقي ميراثا بين من له فيه الرق على قدر ما لهم فيه من الرق، للموصى له بربع رقبته الثلث وللورثة الثلثان على ما قال، وبالله التوفيق.

.مسألة مات أحد المكاتبين في كتابة واحد:

وعن رجل كاتب عبدين له فمات أحدهما وترك أم ولد وولدا له منها، والعبد الباقي له مال كثير أو لا مال له، فما حال أم الولد؟ قال إذا لم يكن للعبد الباقي مال ولم يكن لها ولد بيعت، فإن كان في ثمنها وفاء للكتابة عتق العبد الباقي واتبعه السيد بالذي كان يصيبه من الكتابة، وإن كان لها ولد ولم يقووا وقفت هي وولدها، فإن أدى العبد الباقي جميع الكتابة عتق وعتقوا واتبعهم بما أدى عنهم مما كان يصيبهم من الكتابة، وإن عجز هو وهم رجعوا رقيقا لسيدهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حرمة أم الولد المكاتب إنما هي لسيدها ولولده منها أو من غيرها، فإذا مات أحد المكاتبين في كتابة واحد؟ وترك أم ولده ولم يكن له ولد منها ولا من غيرها لم تكن لهم حرمة، وكانت كسائر أموال المتوفى يؤدى منه الكتابة، فإن كان فيها وفاء بها عتق العبد الباقي واتبعه السيد بالذي يصيبه من الكتابة كما كان يتبعه المتوفى لو أدى هو جميع الكتابة؛ لأن المكاتبين معا في كتابة واحدة كل واحد منهما حميل عن صاحبه بما ينوبه منها يتبعه بما أدى عنه منها إذا لم يكن بينهما رحم يوجب عتق كل واحد منهما على صاحبه إذا ملكه؛ لأن مال المتوفى منهما قد صار إلى السيد فوجب إذا أعتق فيه الباقي أن يرجع السيد عليه بما كان يرجع به عليه لو أدى عنه في حياته.
وإن لم يكن له فيها وفاء بالكتابة قبض السيد ثمنها من الكتابة، فإذا أدى الباقي بقية الكتابة عتق ونظر إلى ثمنها، فإن كان أكثر مما يجب على الميت من الكتابة اتبعه السيد بنصف ذلك.
وأما إن كان لها ولد فلا تباع إلا أن يعجز ولدها والمكاتب الباقي عن الكتابة، فإن لم يعجزوا وأدى المكاتب الباقي جميع الكتابة عتق وعتقوا واتبعهم بما أدى عنهم مما كان يصيبهم من الكتابة كما قال، وذلك نصف ما أدى إن كان أدى جميع الكتابة، وكانت حاله مع صاحبه المتوفى متساوية في القيمة والقدرة على أداء الكتابة، وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع مكاتبه فيعتقه الذي اشتراه:

من كتاب استأذن سيده قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يبيع مكاتبه فيعتقه الذي اشتراه، قال: إن أعتقه جاز عتقه، وإن لم يعتقه رد إلى الذي كاتبه ورد الثمن، وإن مات عند المبتاع قبل أن يعتقه أو أعتقه فقد ضمنه المبتاع، وليس على البائع أن يرد شيئا من الثمن ولا أن يخرج منه شيئا فيجعله في رقبته مثل ما يفعل في المدبر إذا باعه ففات بموت.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إن أعتقه المشتري جاز عتقه ولم يرد، يريد إذا كان المكاتب قد علم بالبيع على ما قاله في المدونة من أن ذلك عنده رضى بفسخ الكتابة، وهو مثل قول أشهب فيها إن يعتق يرد إذا كان المكاتب لم يعلم بالبيع، وهذا إذا لم يكن للمكاتب أموال ظاهرة لأنه إنما يكون له أن يعجز نفسه إذا لم تكن له أموال ظاهرة، وقد قال بعض الرواة في المدونة: وهو قول ابن نافع في سماع محمد بن خالد في كتاب الولاء: إن العتق يرد على كل حال، هذا الذي أقول به في تأويل ما وقع في المدونة في هذه المسألة، فعلى هذا الاختلاف في أن العتق يرد إذا كانت له أموال ظاهرة علم المكاتب بالبيع أو لم يعلم به، إذ ليس له أن يعجز نفسه إذا كانت له أموال ظاهرة، وقد كان من أدركنا من الشيوخ يحملون الروايات على ظاهرها من غير تفصيل، فيقولون فيها: إنها ثلاثة أقوال، يرد العتق، ولا يرد، والفرق بين أن يعلم المكاتب أو لا يعلم.
وأما إذا أعتق على البائع قبل أن يفوت بالعتق فلا اختلاف في وجوب رده.
وقوله في هذه الرواية إنه إن أعتقه المبتاع أو مات عنده فليس على البائع أن يرد شيئا من الثمن، فمعنا؟ إذا كان المباع قد علم أنه مكاتب، وأما إن كان البائع دلس له بذلك فله أن يرجع عليه بقيمة عيب الكتابة من الثمن على ما قاله في سماع يحيى بن خالد من كتاب الولاء في المدبر، وهو مذهبه في المدونة.
وأما قوله إنه ليس على البائع أن يخرج من الثمن شيئا فيجعله في رقبته كما يفعل في المدبر إذا فات بموت، فالفرق عنده بين المكاتب والمدبر في هذا والله أعلم أن التدبير ألزم من الكتابة إذ قد يقدر المكاتب وإن كان له ماله أن يذهب ماله ويعجز نفسه ولا يقدر المدبر على أن يبطل عقد التدبير فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت:

ومن كتاب العرية:
قال عيسى: وسألته عن رجل وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت.
قال: يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد، وتخير الأمة في أن تمضي على الكتابة وفي أن تكون أم ولده، فإن أحبت أن تكون أم ولده قومت عليه وغرم قيمتها للمكاتب نقدا، ولم يكن له أن يقول أحاسبك بقيمتها من كتابتك ألا أن يشاء المكاتب لأن الأمة مال من مال المكاتب يتقوى به على كتابته، ليس للسيد أن يتعجل شيئا لم يحل له بعد، وإن اختارت الكتابة قيل للسيد الواطئ أخرج قيمتها فإن أدت كتابتها عتقت ورجعت القيمة إلى الذي أخرجها وهو الواطئ، وإن عجزت كانت القيمة لسيدها المكاتب، وكانت أم ولد للواطئ، ولم يكن له عليه في ولده شيء، وإن ماتت قبل أن يؤدي أخذ من القيمة التي وقفت قيمة الولد فتدفع إلى المكاتب، ورجع ما فضل من القيمة التي وقفت عن قيمة الولد إلى الواطئ لأنه يقول لا تذهب قيمة ولد مكاتبي باطلا إذ لم يؤد ما كان لي عليها، فتعتق فتحوز ولدها أو تعجز فيكون لي قيمتها على سيدي الذي وطئها فإذا فاتت بموت فلي قيمة ولدها فذلك له ويدفع إليه.
قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة قول مالك ومن تابعه: إن الحكم فيمن وطئ مكاتبته فحملت أن تخير بين أن تقيم على كتابتها وبين أن تكون أم ولد له، فوجب على قياس ذلك إذا وطئ مكاتبة مكاتبه فحملت ما قاله من أن تخير، فإن أحبت أن تكون أم ولد له قومت- فغرم قيمتها للمكاتب نظرا.
وأما قوله: ولم يكن له أن يقول أحاسبك بقيمتها من كتابتك إلا أن يشاء المكاتب فهو الصحيح في النظر للمعنى الذي ذكره فيه، وفيه اختلاف في كتاب ابن المواز لابن القاسم فيمن وطئ أمة مكاتبه فحملت أن القيمة تلزمه ويعتق فيها المكاتب، ويتبع سيده بفضل ما بقي، وهي له أم ولد، وعاب ذلك محمد فقال: هذا ظلم للمكاتب أن يتعجل السيد الكتابة في القيمة التي لزمته، بل يأخذ القيمة ويؤدي النجوم على حالها، فإن لم يكن للسيد شيء بيعت الكتابة عليه في القيمة أعني كتابة مكاتبه، قال أحمد بن ميسر: ويكون أولى بما بيع من ذلك، ولابن القاسم في كتاب أمهات الأولاد وقال غيره هنالك: ليس ذلك للسيد وإن كان معدما، وتباع الكتابة على السيد فيما لزمه من القيمة، ويبقى المكاتب على كتابته إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيع من كتابته لتعجيل العتق، مثل قول أحمد بن ميسر، فإن قصر ثمن الكتابة عن قيمة الأمة كان الباقي منها رقيقا للمكاتب إن كان ثمن الكتابة مثل نصف قيمة الأمة كان نصفها بحساب أم ولد للسيد ونصفها رقيقا للمكاتب، واتبع سيده بنصف قيمة الولد.
وقوله إنه ليس للسيد أن يقاص المكاتب مما لزمه من قيمة له عليه من الكتابة وإن كان معدما هو الذي يوجبه النظر، وتفرقة ابن القاسم في المدونة في ذلك بين اليسر والعدم استحسان.
وأما قوله في كتاب ابن المواز إن له المقاصة في ذلك وإن كان موسرا فهو بعيد وظلم للمكاتب كما قاله محمد، وأما إذا اختارت الكتابة فقوله إن قيمة الأمة يؤخذ من السيد ويوقف فإذا أدت كتابتها رجعت القيمة إليه، وإن عجزت كان القيمة للمكاتب وكانت الأمة أم ولد للواطئ فهو صحيح لا اختلاف فيه.
وأما قوله إنها إن ماتت قبل أن تؤدي فيؤخذ من القيمة التي وقفت قيمة الولد فيدفع إلى المكاتب، ويرجع ما بقي منه إلى الواطئ فليس ببين في وجه الحكم، وقد تكون قيمة الولد أكثر من القيمة التي وقفت؛ لأنها إنما قومت يوم الحمل دون ولد، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أن القيمة تكون للمكاتب إذا ماتت قبل الأداء كما إذا عجزت وهو صحيح في النظر؛ لأنها إذا ماتت قبل أن تؤدي كتابتها فقد ماتت في حال الرق؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، فوجب أن تكون القيمة لسيده كما لو ماتت بعد أن عجزت، وبالله التوفيق.

.مسألة يطأ مكاتبة ابنه فتحمل:

وسئل عن الرجل يطأ مكاتبة ابنه فتحمل.
قال: تخير بين أن تقوم عليه فتكون أم ولد وتبطل الكتابة، وبين أن تسعى في كتابتها، فإن أدت عتقها وإن عجزت قومت عليه، قيل له: فإنها اختارت أن تكون على كتابتها؟ قال: إذا هي اختارت أن تثبت على كتابتها قيل للولد: أخرج الآن قيمتها فأوقفها، فإن أدت كتابتها رجعت إليك القيمة، وإن عجزت أعطيتها ابنك وكانت الجارية أم ولد لأنا نخاف أن تعجز وقد فلست أنت فيذهب حق سيد الجارية، قيل: أرأيت إذا قوم منها عليه حين وطئها أم لا تجعل كتابتها له تسعى فيها له؟ فإن أدت عتقت وكان ولاؤه للذي عقد لها الكتابة، وإن عجزت كانت أم ولد للذي أدى قيمتها قلت: ولم- إذ رأيت- لا تسعى على هذا الواطئ، ولم تعجل له كتابتها لم تقومها عليه اليوم؟ لم لا تؤخر قيمتها إلى أن تعجز؟ فإذا عجزت قومتها عليه يوم تعجز لأنك حين تقومها عليه اليوم حين وطئها وتؤخرها إلى أن تعجز لعلها تعجز حين تعجز وقد ذهب بصرها أو يداها أو رجلاها أو أصابها أمر في جسدها فيصير هذا يأخذ قيمتها اليوم صحيحة وإنما أخذ الواطئ إياها الآن منقوصة الجسد ولعل ما دخلها من النقص قد أدت بعد أن قومت جميع كتابتها إلا دينارا واحدا فعجزت في ذلك الدينار فصارت قد أخذ قيمتها صحيحة وأخذ جميع كتابتها إلا دينارا واحدا فيدخل على الواطئ في هذا ضرر، قال: نعم كذلك هو، والظالم أحق من يحمل عليه.
قلت: وسواء الذي أصابها في جسدها بعد أن قومت على هذا الواطئ أن كان من السماء أو صنعه بها إنسان فأخذ لذلك أرشا؟ قال: ليس هو سواء، إذا كان ذلك من السماء كان كما وصفت لك، وإذا أصابها بذلك إنسان أخذ عقلها، فإن كان في عقلها ما تعتق به عتقت ورجعت القيمة إلى الواطئ، وإن كان ليس فيه ما يعتق فيه سعت فيما بقي فإن أدت عتقت وإن عجزت فض واطئها من قيمتها بما أخذ في ثمن جسدها.
قال محمد بن رشد: لسحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب فيمن وطئ مكاتبة ابنه فحملت أنه لا يجوز أن تخير بين أن تكون أم ولد للواطئ أو تبقى على كتابتها، إذ ليس لها أن تنقل ولاءها عن الابن الذي قد انعقد له إلى الأب خلاف قول ابن القاسم في هذه الرواية إنها تخير في ذلك، وقول سحنون هو الذي يأتي على قياس مذهب مالك في أنه لا يجوز بيع المكاتب ممن يعتقه من أجل نقل ولائه إلى المشتري، وإنما يجيز ذلك إذا وقع فيمضي العتق استحسانا مخافة أن يرده فتعجز عند البائع.
فقول ابن القاسم في هذه الرواية إنما يأتي على مذهب من يجيز ذلك ابتداء وهو مذهب جماعة من السلف ذكر في المدونة عن يحيى بن سعيد أنه باع مدبرا ممن أعتقه، وأن عمرو بن الحارث دخل في ذلك حين اشتراه. ولو قيل: إن ذلك يجوز في الذي يخشى عليه العجز ولا يجوز في الذي يؤمن عليه العجز في ظاهر حاله، ونظر إلى هذا في مكاتبة الابن إذا وطئها الأب فحملت لكان قولا وسطا، وإنما توقف القيمة على مذهب ابن القاسم إذا اختارت المضي على كتابتها إذا كان الأب الواطئ ممن يخشى عليه العدم.
ولما سأله لم لم تكن الكتابة للأب إذا قومت عليه فيسعى فيها، فإن أدت عتقت وكان ولاؤها للذي عقد لها الكتابة، وإن عجزت كانت أم ولد للذي أدى قيمتها، سكت له عن الجواب في ذلك. والجواب فيه: أنه لا يصح أن تكون له الكتابة على حكم من اشتراها، إذ لم يشترها ولا تعدى عليها فلزمته قيمتها، وإنما تعدى على الرقبة بوطئه إياها فلزمته قيمتها، فلا يصح أن يعدى الحكم في ذلك عن الرقبة إلى الكتابة. وأما اعتراضه عليه بأن القياس كان أن يكون التقويم فيها إذا اختارت المضي على كتابتها يوم عجزت حتى يقضي له بها، فقد سلمه، إلا أنه قال: إن الظالم أحق أن يحمل عليه، فلا وجه للقول فيه. وتفرقته على أصله في وجوب التقويم يوم الحمل بين أن تكون الجناية عليها من أمر من السماء أو من جناية أحل صحيحة، إذ لا يصح أن يأخذ من الجاني عليه قيمة الجناية عليها ومن الواطئ لها جميع قيمتها، فيكون قد أخذ قيمتها مرتين، وبالله التوفيق.

.مسألة المكاتب يبتاع من بعض من يعتق على سيده إذا ملكه أيعتق عليه:

ومن كتاب يدير ماله:
وسألته عن المكاتب يبتاع من بعض من يعتق على سيده إذا ملكه، أيعتق عليه؟ قال لا، ويبيع ويصنع ما شاء ويطؤهن إن كن نساء وإن كانت أم سيده أو أخته؛ لأنه ليس لسيده أن ينتزع ماله، ولأن بعض الناس قد قال في العبد إنه يملك من قرابة سيده من يعتق على سيده إذا ملكهم، ولا يعتقون، ويطؤهن إن كن نساء. واحتجوا في ذلك بأنهن مال للعبد حتى ينتزعه السيد، ولأنه ليس على السيد في مال عبده زكاة، فكيف المكاتب؟ إلا أن هذا القول عندنا في العبد ليس بشيء. قال مالك: إذا ملك العبد من لو ملكه سيده عتق عليه فإنه يعتق عليه بملك العبد إياه. قال ابن القاسم في المكاتب: فإن عجز وهم عنده عتقوا عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إنما يعتق على العبد من ملك ممن يعتق على سيده من أجل أنه يملك انتزاعهم، فلما كان يملك انتزاعهم عتقوا عليه، إذ لو انتزعهم لعتقوا عليه؛ فوجب أن لا يعتق على المكاتب ما ملك ممن يعتق على سيده، إذ لا يملك سيده انتزاعهم منه بإجماع. وإذا كان قد قيل في العبد الذي يملك سيده انتزاع ماله: إنه لا يعتق عليه من قرابة سيده، فأحرى أن يقال في المكاتب الذي ليس للسيد أن ينتزع ماله كما قال، ولا اختلاف في ذلك أعلمه في المكاتب. وأما في العبد ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم لا يعتقون عليه، وهو القول الذي حكاه عن بعض الناس في هذه الرواية، وهي التي يأتي على حقيقة القياس بأن العبد يملك، وقيل إنهم يعتقون إذا اشتراهم وهو لا يعلم أنهم يعتقون على سيده، وهو الذي اختاره سحنون، وقال فيه: إنه أصح أقوال ابن القاسم، فقيل: إنهم يعتقون وإن اشتراهم وهو يعلم أنهم يعتقون على سيده، وقع ذلك من قول ابن القاسم في كتاب الرهون، وطرحه سحنون فقال: إنما يعتقون عليه إذا اشتراهم وهو لا يعلم. وقد قال بعض الناس: إن قول مالك في أنهم يعتقون إذا ملكهم اضطراب من قوله في أن العبد يملك، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما رأى أنهم يعتقون من أجل أن السيد يملك انتزاعهم، لا من أجل أن العبد لا يملك، وبالله التوفيق.

.مسألة المكاتب يشتري الرجل كتابته:

ومن كتاب سلف دينارا في ثوب:
وقال ابن القاسم في المكاتب يشتري الرجل كتابته: إنه فيه بمنزلة سيده، يقاطعه كما كان سيده يقاطعه.
قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا من قول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم، ومضى هنالك القول عليه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة كان ثلاثة إخوة في كتابة واحدة فجنى أحدهم:

ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار:
قال ابن القاسم: إذا كان ثلاثة إخوة في كتابة واحدة فجنى أحدهم فإنه يقال له: أد جنايتك، فإن لم يقو، قيل لمن بقي: أدوا الجناية وقوموا بنجومكم وإلا عجزتم، فإن لم يقوموا وعجزوا رق الاثنان وقيل للجانى: إما أن تسلم الجاني وإما أن تفتكه بقيمة الجناية. وإن قالوا نحن نؤدي فأدوا الجناية، فإن من أدى الجناية منهم رجع بها على الجاني بعد العتق، وليس هو بمنزلة الكتابة التي يؤدي بعضهم عن بعض، فإن أولئك لا يرجع من أدى على من لم يؤد إذا كانوا إخوة وأقارب.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إن من أدى منهم الجناية يرجع بها على الجاني خلاف قول غيره وهو أشهب، والله أعلم، في كتاب الجنايات من المدونة إن الجناية كالكتابة لا يرجع بها من أداها عمن هو معه في كتابة واحدة إلا على من يرجع عليه بما أدى عنه من الكتابة. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يرجع على زوجته ولا أحد ممن يعتق عليه، ويرجع على سواهم ممن لا يعتق عليه وإن كانوا من ذوي محارمه كالعم والخال، وهو مذهب ابن القاسم؟ والثاني: أنه لا يرجع على زوجته ولا أحد من ذوي محارمه وإن كان منهم من لا يعتق عليه، وهو مذهب أشهب؟ والثالث: أنه لا يرجع على زوجته ويرجع على من سواها وإن كانوا من ذوي محارمه الذين يعتقون عليه كالأب والأخ، وهو مذهب المغيرة، وقوله في نوازل سحنون بعد هذا من هذا الكتاب، فلا اختلاف في أنه لا يرجع على الزوجة ولا في أنه يرجع على ذوي رحمه الذين ليسوا من ذوي محارمه كابن العم وابن الخال وشبههم. وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ في ثلاثة إخوة مختلفين: أخ لأب وأم، وأخ لأب، وأخ لأم، كوتبوا كتابة واحدة فأداها أحدهم كلها، أنه إن أداها الذي لأب وأم لم يرجع عليهما بشيء، وإن أداها الأخ للأم رجع على الأخ للأب ولم يرجع على الأخ للأب والأم، وإن أداها الأخ للأب رجع على الأخ للأم ولم يرجع على الأخ للأب والأم. وقوله صحيح على ما ذكرناه من أن ذوي الرحم الذين ليسوا من ذوي المحارم كالأجنبي.
واختلف أيضا في توارث المكاتبين في كتابة واحدة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يتوارث جميع الورثة الزوجة وغيرها، روي ذلك عن مالك، ووقع اختلاف قوله في ميراث الزوجة في المبسوطة؛ والثاني: أنه يتوارث جميع الورثة إلا الزوجة، وفي المدونة ما ظاهره هذا القول؛ والثالث: أنه لا توارث بينهم إلا فيمن كان منهم يعتق بعضهم على بعض، وهذا القول هو المنصوص عليه في المدونة. ولا خلاف بين ابن القاسم وأشهب في أن الجناية كالكتابة في أنه لا يعتق الجاني ولا من معه في الكتابة إلا بعد أداء الجناية، وإنما اختلفا إذا أدى الجناية غير الجاني هل يرجع بها على الجاني إذا كان ممن لا يرجع عليه بالكتابة أم لا حسبما وصفناه من اختلافهما في ذلك. وأما الدين فمذهب ابن القاسم أن الكتابة لا تبطل بالعجز عن أدائه، فيعتق المكاتبون إذا أدوا الكتابة وإن عجزوا عن أداء الدين، ويبقى الدين بعد العتق في ذمة الذي كان في ذمته منهم، بخلاف الجناية عنده في هذا؛ لأن الدين لا يؤدى من الخراج والعمل، والكتابة والجناية يؤديان من ذلك؛ وأشهب يرى الدين كالكتابة والجناية في جميع الوجوه، وهي كلها مفترقة عند ابن القاسم، لكل واحد منها حكم غير حكم صاحبه على ما بيناه، وبالله التوفيق.

.مسألة يضع عن مكاتبه عند الموت نجما من نجومه:

قال عيسى وسألت ابن القاسم عن الرجل يضع عن مكاتبه عند الموت نجما من نجومه لا يدرى من أوله أو من آخره، قال: إنه إن كانت النجوم ثلاثة وضع عنه من كل نجم ثلثه، وإن كانت أربعة فربعها، فكذلك حسابها. فإن أدى عتق، وإن عجز فإنه إن كانت النجوم عشرة عتق عشره، وإن كانت ثلاثة فثلثه، فبحساب هذا يعتق. وإنما الوضيعة عتق إذا كان في وصية في أداء كتابة، فإن أدى عتق وإن عجز رجع إلى الذي وجبت عليه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على قياس ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف فيه أحفظه، وبالله التوفيق.

.مسألة من أوصى بوصية لرجل أو بعتق أو كتابة:

ومن كتاب العتق:
قال وسألت ابن القاسم عن رجل قال كاتبوا عبدي فلانا. فأصيب يد العبد أو رجله، فبأي القيمتين يكاتب؟ أبقيمته حين أوصى أو حين مات سيده؟ أو حين جرح؟ قال قيمته يوم يكاتب، وكذلك لو قال هو حر فاعتل فإنما قيمته يوم يقوم للعتق، ولا ينظر إلى يوم أوصى ولا يوم مات ولا يوم اعتل.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله ولا اختلاف فيه؛ لأنه من أوصى بوصية لرجل أو بعتق أو كتابة إنما ينظر ذلك كله إلى قيمته يوم تنفذ الوصية فيه، وبالله التوفيق.